(1/2) السودان.. سيد المائده الرمضانية..هل يمضي إلى زوال !؟
الضغوط الاقتصادية والحلو مر السوداني
الحلو مر هو مشروب بلدي عريق، تحرص الاسر السودانيه على الإعداد له وتحضيره قبل دخول شهر رمضان بأيام عديده، فيتم تحضيره وفق طقوس مدروسه ومحضر لها بعنايه، يتكون من العيش وعدة بهارات، يتم تزريع العيش لمده ٢_٣ أيام ثم سحنه مع إضافة دقيق عيش عادي والبهارات المذكوره من كركدي، عرديب، كمون، بلح، كل حسب ذوقه والطعم الذي يريد ثم تأتي عملية تسمى “الكوجته” وهي عملية خط الزريعة والدقيق العادي بالماء المغلي، بعدها تتم “عواسته” بحضور عدد الأهل والجيران، كما توجد عوائل سودانيه تكتفي بشراءه فقط لحرصها على تواجده على مائدة إفطارها، فمما تم ملاحظته خلال الأيام المنصرمه عزوف بعض الأسر عن تحضيره وطلبه في عده مجتمعات بسبب إرتفاع تكلفة شراءه وإعداده والتعب الكامن والشقا الذي تجده النساء على مدار مراحل تحضيره. ولإلقاء المزيد من الضوء على هذا الجانب أجرت “نفاج نيوز” تحقيق موسع مع عدد من فئات المجتمع و الخبراء والعاملين في المجال لمعرفة رؤاهم حول هذه القضية.
الخرطوم : وفاء محمد آدم
الأموال الطائله
تقول المعلمة أم محمد إن رمضان يمكن صومه بدون حلو مر لكن بوجوده على مائدة الإفطار يكون رمضان السودانيين أجمل، وتؤكد أن رائحته تعيدك إلى تفاصيل كل رمضان سبق لك صومه لإرتباطه بقدوم الشهر وبرودته على المعده، وتوضح أنها لا “تشربه” أصلاً ولكن تعده لمن يشربه من أفراد منزلها، وتؤكد أنها مرتها الأخيره ولن تقدم بتاتاً على المجازفه بتحضيره مرة أخرى إلا بعد أن تزوج بناتها ويأتي زوج إبنتها “نسيبها” ويغدق عليها بالأموال الطائله لتستأجر عماله أو تبتاعه جاهزاً، وتؤكد أنها صرفت مرتب الشهر كله للتحضير للحلو مر ولم تكفيها ودخلت في ديون طائله.
مشروب إقتصادي
وتقول لو أنها كانت تعلم أن الأمر سيكلفها كل ذاك الجهد ما كانت لتقدم عليه من البدايه فهي تذهب للمدرسه وتأتي للمنزل لمتابعته وعندما تكون في المدرسه يكون بالها مشغولاً معه إذا “فار” وتوجبت العواسه يجب عليها أن تجمع جاراتها للعواسه ولكن كيف تفعل ذلك هي لا توجد بالمنزل لمراقبته. وتضيف أنها تحملت حتى تمت عمليه تحضيره لأجل خاطر زوجها ولأن الحلو مر مشروب إقتصادي ومغذي وتحضيره كعصير لا يتطلب جهدا جباراً، وتؤكد أنه بوجود الحلو مر لن تحتار سيده سودانيه في إختيار صنف العصير الآخر لأن الحلو مر كمشروب بلدي ثابت في كل مائدة إفطار بصوره يوميه مع وجود مشروب آخر طبيعي.
مشروب مغذي
من ناحيته يوضح سعد آدم مواطن سوداني مقيم بالمملكه العربيه السعوديه أن الحلو مر طقس وعاده سودانيه أكثر من كونه مشروباً مغذياً، ويؤكد أنه صام رمضان للمره الثالثه على التوالي ولم يتجرع قطرة منه ومع ذلك تأبى والدته إلا أن ترسله إليه، ويضيف أن والدته تحرص على إرسال الحلو مر قبل دخول شهر رمضان بمدة معتبره حتى يشرب منه قبل رمضان وبعده وأثناء الشهر الفضيل ولكنه يفضل العصائر الطبيعيه عليه، ويضيف يوجد بالسكن عدة جنسيات فالسعودي منها يفضل شرب الحليب وأكل التمر واثنان مصريان يفضلون شربه وهم لا يعلمون طريقة تحضيره حتى، وهو ورفيقاه يعدون عصائرهم بأنفسهم وبقية المائده.
الجهد والمال
ويقول أنه لا يعلم الوضع في السودان الآن ليجزم بأن الأسر السودانية جميعها تحرص على توفيره قبل دخول شهر رمضان المعظم أم لا ولكنه متأكد أن الوضع الاقتصادي اذا إستمر على ذات الحال لن تتمكن الاسر السودانية مستقبلا من إعداده أو شراءه فالحلو مر يكلف الكثير من الجهد والمال وهما أمران حساسان للمواطن السوداني الذي لا يمتلك المال الكافي لتغطية نفقته والنساء السودانيات لا يبذلن جهداً وثيراً لأجل إعداد الحلو مر خاصه الأجيال القادمه اللآتي “بدقن جرس على عواسة الكسره” فكيف لهن أن يتحملن إعداد الآبري بكل مراحله ومقدساته.
تردي السوق
ويقول صاحب الطاحونة أباذر باشكاتب إن هذا العام تراجعت نسب الشراء بصوره ملحوظه بل وتوجهت بعض العوائل لشراء زريعة جاهزه وقد لا يكون السبب عدم رغبتهم في إعداده بل لأنهم يريدون شراءه جاهزاً لأن تكلفة تحضيره قد تكون نفس تكلفة شراءه أو تزيد، ويوضح أن الحلو مر لا يمكن الاستغناء عنه في رمضان أبداً، ويؤكد أن الإقبال على شراء العيش والزريعة تراجع إلى النصف والسبب التردي العام للسوق والحاله الاقتصاديه الآخذه في التراجع المستمر.
تقليل نسب الشراء
ويضيف في السابق كان يوظف عماله خصيصا لشهر شعبان ورجب حتى لا يزدحم المكان ويتمكن من تلبيه جميع طلبات زبائنه أما الآن لم يضطر إلا لزياده خمسة عمال، عاملين لسحن الزريعة والبهارات وعاملين داخل البقاله المصاحبه للطاحونه وآخر يقف معه داخل الطاحونة وعامليه القدامى في مكانهم، ويؤكد أن الإقبال على شراء مستلزمات رمضان مستمر لكن قلت الكمية التي يأخذونها في العاده وذلك يدل على أنه وبرغم الحاله الاقتصاديه المتردية المواطن السوداني غير مستعد للتخلى عن مشروبه المتوارث والمفضل.
متابعه عن كثب
إلى ذلك يقول المواطن عثمان شريف إنه لا يمكنه تصور رمضان دون حلو مر، ويوضح أنه منذ عرف الصيام إرتبط معه وجود الحلو مر بجانبه، ويضيف قبل دخول شعبان يذهب وزوجته للسوق لجلب اللآزم ليتم “تزريع” العيش ويتابع عن كثب كل مراحل تحضيره إلى أن تأتي مرحله “العواسة” فيتركها وصديقاتها ليقمن الامر، ويقول إن إعداده يتطلب أموال طائله لكن لن يقف ذلك الأمر بوجه تحقيق مبتغاه للحصول على حلو مر يكفيه طوال الشهر.
ذهاب الظمأ
ويوضح أن الحلو مُر يساعده على تحمل العطش في حال تناوله في سحوره وفي حال تناوله أثناء الإفطار يذهب ظمأه فوراً، ويضيف أن الحلو مر بارد على معدته ويعيد إليه زكريات صومه مع والدته المتوفاه لذا لا رغبة له في التخلي عنه مهما ضاقت حالته الماديه، ويؤكد أن زوجته “بت مدينه” لذا تتزمر من التحضير للحلو مر وتحثه على شراءه جاهزاً لكنه “بغمت ليها” حتى يشرب حلو مر كما عهد دوماً على طريقه والدته وأجداده.
طرق الأبواب
بدوره يقول صاحب البقاله أحمد خليل إنه يفضل شرب الحلو مر على كافة العصائر الأخرى ويؤكد أن رشفه من الحلو مر تغنيه عن “جك مانجو بالحليب” ويوضح أن الحلو مُر كمشروب بلدي عريق لا غنى للأسر السودانيه عنه، ويقول إن الضائقه الاقتصاديه التي تمر بها البلاد جعلت الكثيرين يعزفون عن تحضيره بالمنزل ولكن يتم شراءه حتى لا يغيب عن موائدهم وإن كانوا لا يشربونه، ويضيف من الملاحظ في “الضرا” أن كل الموائد إلا ما قل يوجد بها حلو مر لقربه من قلوب السودانيين، ويوضح أنه اذا لم يتناول منه كأس في حال كان افطاره خارح المنزل يطرق الأبواب ليحصل على كأس مشروب “آبري” ليكتمل مزاجه بتجرعه.
إرتباط بالروح
إلى ذلك تقول ربة المنزل سكينه بشرى أنها لا تشرب الآبري ولا تعده بل تحرص والدتها كل عام على توفير “كرتونه” وإرسالها لها عن طريق السفريات، وتوضح أنها تعده بصوره شبه يوميه مع عصير آخر طبيعي لأن زوجها وأطفالها يحبونه فرمضان إرتبط في أذهانهم بمشروب الحلو مر، وتضيف أنها لا تقوى على مجابهة كل التعب الكامن في مراحل صنع الحلو مر وإعداده ولأنه يحتوي على أكثر من طعم في الرشفه الواحده ويمكن أن تشرب القليل منه بعد مضي شهر رمضان لأنها تشتكي من آلام في معدتها إذا تناولته في رمضان، وتضيف عندما ينتصف رمضان وتنتهي الكميه التي معها من حلو مر تضطر لشراءه لأن زوجها يشربه بصوره دائمه لأنه مرتبط بروحه ولا يمكنه الاستغناء عنه في رمضان.
مشروب حيوي
يقول صاحب دكان الغاز حسين متولي أن الحلو مر هو نكهة رمضان كلها، ويضيف أن زوجته تستغل إمتلاكه لدكان غاز وتأخذ منه أسطوانتي غاز لإستعمالها في عواسة الآبري وكوجنته وقد لا تكفيها أحيانا فتأخذ أسطوانة مطبخها لأن الحلو مر يحتاج إلى نار ساخنة جداً وتتعلل له بأن لديها حساسية تجاه الحطب والدخان الكثيف لذا حبه للحلو مر يجعله يصبر على ذلك وحرصه على عافية زوجته ، ويؤكد أن هناك غيرها من ربات البيوت “ناس الراحات” يقمن بعواسة الحلو مر بالغاز ويأخذن أسطوانات الغاز منه وأحيانا يوصلها لهن بنفسه.
ويقول أنه لا يتعشى بل يكتفي بما أكل في وقت الإفطار ويأكل في وقت السحور وبعدها يشرب كأسين من الحلو مر لقناعته التامه أنه مشروب حيوي ويدرأ العطش.
سد منيع
في غضون ذلك يقول الخبير الإقتصادي د. أيمن عبد الغني إن التضخم الإقتصادي هو ما دعى معظم السودانين للتخلى عن تحضير الحلو مر، ويضيف أن أسعار المواد الاستهلاكية الآخذه في الإرتفاع تضع المواطن تحت الضغط فأفراد أسرته يريدون تحضير الحلو مر وقد يكون هو أيضا يريد ذلك لكن يقف الوضع المادي سداً منيعاً بينه وبين رغباته.
عجز مادي
ويوضح .د أيمن أن الأسباب التي جعلت ربات البيوت يعرضن عن إعداده هي أسباب ماديه بحته لأن من لا تقوى على تحمل جهده تقوم بإستأجار عاملات لإستلام العمل بدلاً عنها وتشرف عليهن لتحصل على ما تريد بالإضافة إلى أن هناك مشاريع موسميه تقيمها سيدات مخصصه لرمضان تقوم بإعداد الحلو مر وتوزعه بالطلبات لذا لا نجد أي سبب آخر على غيابه عن مائده الافطار لمن يرغب فيه سوى العجز المادي.
تراجع ملحوظ
بدورها تقول المواطنه صفيه حمد أنها تقوم “بعواسة” الحلو مر “بالجردل” الذي بلغ ثمنه ثلاثه آلاف جنيه حالياً مع تقديم وجبة سواء فطور او غيره حسب زمن العواسه وبعدها القهوه من سيدة المنزل، وتؤكد أنها تعمل في هذه المهنة لفتره تناهز الخمس سنوات وأن العمل هذا العام تحديداً تراجع إلى ثلاثه أضعاف مما سبقه من أعوام منصرمه، وتوضح أن “زبائنها” إلا القله تخلو عن فكرة تحضير الحلو مر أو شراءه بحكم أنه “شعر ما عندهم ليه رقبه” فتكلفته تضاعفت وربات “حيلم انهدا وقدرتم انعدمت”.
سيسوء الحال
وتؤكد أن الحاله الاقتصادية الراهنه لها دور في عزوف البعض عن إعداد الحلو مر سيسوء الحال أكثر، وتقول أن الحلو مر الذي يتم شراءه مهما بلغت جودته وكميته لن يكون كالذي تعده ربة المنزل بنفسها لأنها عندما تعده تضيف فيه ما تريد ويتم تحت إشرافها فتكون مطمئنه والكمية التي تشترى في الغالب تكلف مبلغ وقدره ولكن ينتهي في أيام معدوده ناهيك عن الذي يتم تحضيره منزلياً فالفائض منه قد يوجد بالمنزل إلى حين عودة رمضان مره أخرى.
قلة تقدير
وتقول إنها تحب مهنتها وتتفانى وتخلص في عملها لكنها في المقابل لا تجد التقدير الذي تستحقه لأن ثمن عواسة الجردل الواحد يكون ثابت عدة أعوام مع الأخذ في الإعتبار أن ثمن المواد آخذ في الإزدياد المستمر لذا يجب أن يقابله زياده للأيدي العامله التي تنفذ العمل، وتضيف أنه خلال العام المنصرم كان ثمن الجردل ألفين لا غير وخلال عامنا الجاري بلغ ثلاثه آلاف يخرجنها ربات البيوت بحنق شديد كأن العاملات لا يستحققنها وقد يجعلها التصرف ذاك تصرف النظر عن العمل مستقبلاً لأنها تقدمت بالعمر والإحترام أولى لها من المال.
تجمعات ومساعده
من ناحيتها تقول حاجه التقى إنهم في النيل الأبيض يحرصون على “عواسة” الحلو مر الأبيض والأحمر و “الرقاق” لأجل التفرغ لمساعدة جاراتها في التحضير وعواسه الحلو مر، وتوضح في منطقتهم تُعلم ربة المنزل جارتها بعد عملية “الكوجين” مباشره ليتأهبن لمساعدتها، وتضيف عندما يأتي موعد العواسة تجتمع الجارات باكراً في منزل الجاره المعنيه وكلٌ يأتي بطعامه و”صبارات” الشاي والقهوه لبقية النهار لأن عواسة الحلو مر له طقوس خاصه.
رضا وتفاني
وتؤكد أنهم قد يقمن بمساعدة ثلاثة أو أربعة منازل في اليوم الواحد وذلك لأنهن ساندنها في يوم عواستها فيصبح الأمر أشبه بالدين في رقبتها ويتم الأمر بالتراضي لأنها عندما تدعو جاراتها ليساعدنها تعلم أنهن سيطلبنها يوماً، وتضيف أن في منطقتها كل المنازل تعد الحلو مر بل وترسل إلى معارفها بالخرطوم لأن مواد إعداد الحلو مر في متناول اليد و كلها متوفره لديهم من حطب وعيش وغيره فلا يشق الأمر عليهم، وتؤكد أن رمضان والحلو مر لا يفترقان وإن طال الزمان.
غياب الحلو
من ناحية أخرى يقول الصيدلي ناصر عباس أن لا علاقة له بشراب “الحلو مر” ولا يشكل وجوده من عدمه فرقاً عنده لأنه يفضل الأكل على الشرب في وقت الإفطار وإن شرب يشرب الماء وبعد الإفطار يشرب القهوه، ويضيف أن شقيقه الأكبر الوحيد بالمنزل الذي يشربه ويتم عمله خصيصاً لأجله من قبل والدة أمه التي توفاها الله هذا العام مما يجعلهم يصومون هذا العام بدون حلو مر، ويوضح أن والدته لا تثق فيما يشترى من الغرباء ويعمل أخاه جاهداً على إقناعها لجلب القليل حتى يشربه في أيام رمضان الأُولى، ويضيف أن والدته لا تملك غيره وأخاه فوالده توفي قبل عامان فإضطرت الأسره إلى القدوم من قطر للإستقرار في السودان ولا يوجد لديهم أقرباء هنا لذا لا يخرجون للضرا ويتناولون الإفطار مع والدتهم بالمنزل.
التعليقات مغلقة.