(2/2) السودان.. سيد المائده الرمضانية..هل يمضي إلى زوال !؟

 

الحلو مر هو مشروب بلدي عريق، تحرص الاسر السودانيه على الإعداد له وتحضيره قبل دخول رمضان شهر بأيام عديده، فيتم تحضيره وفق طقوس مدروسه ومحضر لها بعنايه، يتكون من العيش وعدة بهارات، يتم تزريع العيش لمده ٢_٣ أيام ثم سحنه مع إضافة دقيق عيش عادي والبهارات المذكوره من كركدي، عرديب، كمون، بلح، كل حسب ذوقه والطعم الذي يريد ثم تأتي عملية تسمى “الكوجته” وهي عملية خط الزريعة والدقيق العادي بالماء المغلي، بعدها تتم “عواسته” بحضور عدد الأهل والجيران، كما توجد عوائل سودانيه تكتفي بشراءه فقط لحرصها على تواجده على مائدة إفطارها، فمما تم ملاحظته خلال الأيام المنصرمه عزوف بعض الأسر عن تحضيره وطلبه في عده مجتمعات بسبب إرتفاع تكلفة شراءه وإعداده والتعب الكامن والشقه التي تجدها النساء على مدار مراحل تحضيره، ولإلقاء المزيد من الضوء على هذا الجانب أجرت “نفاج نيوز” تحقيقاً موسعاً مع عدد من فئات المجتمع و الخبراء والعاملين في المجال لمعرفة رؤاهم حول هذه القضية.
تحقيق: وفاء محمد أدم
سيد المائدة
في غضون ذلك تقول بائعة الحلو مر صباح الأمل إن الحلو مر مشروب متوارث منذ القدم ولا يمكن تخيل المائده الرمضانيه، وتؤكد صباح أن “الآبري” سيد المائده الرمضانيه وأنه برغم الضائقات الماليه الحاليه إلا أن الحلو مر لا يمكن الإستغناء عنه، وتضيف أن الحلو مر خفيف على المعده ويساعد على هضم الطعام فهو يشبه المشروب الغازي إلى حد كبير ويحبذه الجميع لأنه مشروب طبيعي. وتضيف صباح أنها بفضل الله تعمل في هذا المجال منذ أربعة سنوات ولديها طلبيات خاصه تصدر للإمارات والسعوديه وتوضح أنها مستعده لتلبية كل الطلبات داخل الوطن وخارجه. وتؤكد في حديثها لـ”نفاج نيوز” أن الجميع يميل إلى شراء الآبري عوضاً عن إعداده بالمنزل لأن عمليه إعداده مرهقه الى حد كبير فتحضيره يمر بعدة مراحل منها أقل ما يمكن وصفه بها أنها “مميته جداً” إبتداءاً من “تزريع العيش” فالغالبيه تحبذ تزريعه بعيش الذره “الفتريته”.
فخراً ورضا
وتضيف صباح أن التزريع يأخذ غالباً خمسة أيام وخلال الأيام الخمس تحتاج إلى متابعه دؤوبه ومن ثمّ تجفف في الشمس لمدة ثلاثه أيّام وآخيراً تؤخذ للطاحونه لإحالتها لدقيق مع جلب البهارات وتكسير البلح؛ وتقول أن المرحلة القادمه هي المرحلة الأصعب عملية “الكوجين” وهي عملية عجن الدقيق وإضافة البهارات والبلح بتقنيه معينه وبعدها يترك لمدة يومين، وتضيف بعدها وتبدأ مرحلة “العواسه” التي تتم بالحطب وهناك صعوبه بالأمر في ظل الدخان المنبعث من إحتراق الحطب والنار المشتعله تحت الصاج فهي عملية شاقه جداً على من يجلس على الصاج ويقوم بالعواسه. وتضيف أن جمال المشروب في نهاية الامر ينسيها تعبه ويجعلها راضية وفخوره بعملها.وتوضح أنه لصعوبة أمر العواسه فقط ناهيك عن بقية المراحل تميل الموظفات على وجهه الخصوص إلى شراء الحلو مر، وتضيف أن ربات البيوت قد يقمن بإعداده في المنزل ولكن يشق الأمر على الموظفات، وتقول أن نساء القرى قد يتحملن الأمر لأنهنّ جبلن على الشده وقد يرسلن إلى معارفهن من أهل المدينه لأن العواسه هينه بالقرى إذا ما قورنت مع نظيرتها في المدينه.
نسب الشراء
وتقول صباح أن النسب الشرائية بالنسبه لسابق عهدها تشهد ركوداً كبيراً في مقارنة مع السنه السابقه وتدنى شرائي مهول في مقارنه مع ما سبقها من اعوام بسبب غلاء المواد المصنع منها الحلو مر بنسبه كبيره، وتؤكد بزيادة تكلفة مواد إعداد الحلو مُر كان لا بد أن تضاعف سعر بيع منتجها لترضي جهودها. وتقول أن كل فئات المجتمع تتناول الآبري في رمضان عوضاً عن فئه قليله لا تتناول الآبري في رمضان مرضى القولون مثلاً لأنه يحوي الكثير من البهارات لأن هناك إحتمالية أن يتسبب لهم في بعض المشاكل الهضميه.
شق الأنفُس
وتوضح أنها إتخذته مشروعاً وتجنى منه الربح فسعر “الطرقه الواحده” 500 جنيه سوداني وأقل طلبيه توجد بها عشرة قطع وأكثرها ستون وقد تزيد. وتضيف كما هو معلوم أنه مشروع موسمي لذا لايعقل أن يعرضها للخساره بل يجب أن يتوج بالأرباح لأن عملية إعداده تتم بشق الأنفس. وتوضح أن التعرض للخساره في مجالها قد لا تقع في الغالب لأنها تقوم بحساب خطواتها جيداً فيصبح لها تصوراً كاملاً عن الكمية التي تريد صنعها فتجلب المواد وغيرها وتعدها وفقاً لما سبق ذكره بجانب إحاطتها بالمناطق التي تريد التوزيع فيها وتاريخ تسليم الطلبيات.
آبري مطور
وتؤكد صباح أن الحلو مُر من المستحيل أن يختفي من المائده الرمضانيه، وتؤكد أن هناك توجهات لتطوير عمليه تحضيره كمشروب فبدلاً من صنعه على شكله “طرق” يمكن أن يصنع كمسحوق وتقول صباح ان الآبري يجفف بعد صنعه مما لا يشق أن يصبح مسحوق “powder” بعد الإنتهاء من صنعه، وتؤكد بائعة الحب “الآبري” صباح أنه عوضا عن إختفاء الآبري من المائده الرمضانيه سيطور إلى شكل مبسط يسهل إعداده وتناوله مع المحافظه عليه بذات النكهة وذات الجوده.
تنوع وجمال
من ناحيته يقول الطالب بمرحلة الأساس تامر محمد إنه يحب رمضان بسبب تنوع أصناف الطعام فيه فيشرب ويأكل ما يريد في أي وقت ولأن ثلاجتهم تكون ملئى بما لذ وطاب من مأكولات ومشروبات خصوصاً عصير الحلو مر، ويقول مازحاً إنه يشرب العصير طوال الشهر في رمضان أما بقية الشهور لا يشربه إلا عندما يمرض، ويضيف أن الحلو مر مشروبه المفضل في رمضان لأنه لا يشرب إلا في الشهر الفضيل، ويقول أنه يريد أن تكون كل السنه رمضان، ويقول إن أباه يأخذه معه الى “الضرا” ويحرص على أن يجلس بقربه لأنه يحب الآبري كحاله فيسكب كأسين له ولإبنه.
“الآبري” نكهة رمضان
وتتفق معه شقيقته في الرأي فتقول إنها تعشق شهر رمضان وتنتظره بفارق الصبر حتى تتمكن من تجميد الحلو مر في “باقه” وتذهب به إلى المدرسه لأنه المشروب الوحيد الذي لا يكمل الصائمين شرابه حتى آخر قطره، وتضيف أنها عندنا تأتي من المدرسه تواصل شرب الحلو مر إلى أن يتم صنع المزيد في نهاية اليوم، وتؤكد أن رمضان لن يكون له طعم بدون وجود الحلو مر، وتقول أن أهل بيت خالتها لا يشربون الآبري لذا هي تحرص على أن تترك نصيباً لإبنتها وحين يعودون من المدرسه يشربنه فور وصولهن وأحياناً يأكلنه “كالبوظه” بعد تجميده.
التكلفه المرتفعه
بدورها تقول ربة المنزل هويدا إسماعيل إنها منذ عودتها من المملكة العربية السعودية تشرب الحلو مر بإستمرار مع جاراتها وتستمتع جداً بطعمه، وتضيف أنها عندما كانت بالسعوديه ترسل لها والدتها نصيباً سنوياً من الحلو مر ولكن بناتها لا يشجعنها على تناوله ولا تستطيع أن تتناوله وحدها وعندما أتت للإستقرار بالسودان أصبحت تشترك مع أقاربها لإعداده بطريقه تختارها بنفسها وترضيها، وتؤكد أن جاراتها جميعهن يحببن طعم مشروبها ويمتدحنه.
دخل متوسط
وتوضح أن تكلفة التحضير للحلو مر وإعداده مرتفعه جداً جعلت الكثيرين يتنازلون عن إعداده وربما شراءه حتى، وتضيف أن الوضع الاقتصادي الراهن لا يسمح بل ويضيق على الأسر في الكثير من الأشياء خصوصاً أن شهر رمضان يحتاج إلى الكثير من المواد التموينيه مع ان رمضان شهر الخير و يأتي بخيره لكن يجب على الاسر ضمان ما يكفيهم ويعولهم حتى آخر الشهر الفضيل، وبعده يدخل العيد والتحضير لإعداد الخبائز وشراء الملبوسات، وتوضح أن معظم الأسر السودانيه دخلها متوسط ولا تستطيع أن تلبي كافه تلك الطلبات.
مقارنات وفروقات
وتؤكد أن المنازل التي بها أطفال لا بد لأسرهم أن يوفروا لهم الذي يلزم لشهر رمضان وبعده من حلو مر وخبائز وملبوسات وغيره حتى لا يشعر الأطفال بأنهم أقل من أقرانهم المحيطين بهم لأنهم يقارنون حالهم مع حال الأطفال حولهم فيجد رب الاسرة أن عليه بالتنازل من أقل الأشياء التي لا يشكل غيابها ضرراً وهو الحلو مر وتقول إن الاسر تأتيها الهدايا و الهبات من الحلو مر حتى يتمكن الجميع من تذوقه لذا عدم تحضيره بكل المنازل لا يضر ولكن عدم عمل خبز العيد وجلب الملبوسات الجديده هو ما يحز على نفوس صغارنا.
مشروب يجبر العطش
في غضون ذلك يقول العامل بالمنطقه الصناعيه أبكر حسن إنه لا يشرب “الحلو مر” لأنه يتسبب له في مشاكل في معدته لإصابته بالقولون العصبي فالحلو مر يحتوي على الكثير من البهارات ويتم تخميره لفترة طويله، ويضيف أن وجود الحلو مر في مائدة الإفطار يعد أمراً هاماً وحيوياً لأنه يجد رواجاً كبيراً بين مرتادي الضرا، ويؤكد أن الحلو مر يجبر العطش كما يقول البعض لذا نجد أن الكثيرين يتناولونه أولا قبل أي شئ ولكن في آخر أيام الشهر الفضيل يقل الإقبال عليه لأن رمضان “بكون خش العضم” فيتجه الأفراد لشرب الماء والاكل فقط ويرغبون عن العصائر جميعها ليس حكراً على الحلو مر فقط.
الآبري الأسطوري
ويؤكد أن ربات البيوت يصحن الآن ويشتكين من التعب الضامر في تحضيره لكنهن يصبرن بسبب علمهن بما سيجدن بنهاية جهدهن ” الآبري الأسطوري”، ويؤكد أنه لا يرى اي مظاهر تدل على أن “الآبري” سيفنى ويزول بالرغم من وجود عدد من العوائل التي لم تقم بإعداده ولم تفكر في الأمر حتى الا أن عدد من الاسر صنعته وإستمتعت بطقوسه وسيستمتع الجميع بطعمه “العاس والما عاس”، ويضيف لا شئ قد يعوض وجود الحلو مر بالمائده السودانيه فالحلو مر لرمضان كالكبش في “عيد الأضحيه”.
تراجع نسب الشراء
بدوره يقول صاحب زريبه الحاج مضوي أن الإقبال على شراء الحطب هذا العام آخذ في التراجع بصوره رهيبه، ويضيف أن الأعوام السابقه و بقدوم شهر رجب يبدأ المواطنين بالتوافد على الأسواق لجمع المواد لتحضير الحلو مر ولكن رجب هذا العام شهد ركوداً واضحاً في نسب الشراء، ويوضح أنه توقع أن تزيد نسب الشراء بحلول شعبان لكن لم يحدث، ويضيف أنه كان يبيع الكثير من الحطب لكن ليس كالأعوام التي سبقته، ويوضح أن ربات البيوت اللآتي لا تستأجرن عماله للمساعده في عمليه العواسة يقمن بشراء زريعة جاهزه “وكوجنتها” ومن ثم عواستها بالغاز لعدم رغبتهن في التنازل عن الحلو مر و لخوفهن على صحتهن.
الطقس والعزوف
ويقول إن من البديهي أن يعرض الأزواج عن إعداد الحلو مُر لأن تكلفته هذا العام بلغت عشر أضعاف بالنسبه للأعوام التي سبقته، ويضيف أنه يفضل تناول العرديب والقنقليز على الحلو مر لأنه بحتوي على الكثير من البهارات ومعدة الصائم تتصف بالحساسيه خاصه في أيام رمضان الأُول، ويرى أن للطقس دور في عزوف النساء عن إعداد الحلو مر لأن الطقس الحار ونيران الصاج تتسبب لهن في مشاكل صحيه وتعب عام من ربات البيوت والعماله المستأجره، لذا تتجه ربات البيوت إلى شراءه عوضاً عن إعداده بالمنزل وأيضاً يوجد من يعتمدن على أهاليهن في إعداده لهن.
موسم “الآبري”
من جانبها تقول ربة المنزل علويه خضر إنها لم تتمكن من تحضير الحلو مر هذا العام بسبب سوء أحوالهم الإقتصاديه، وتؤكد أنها وصلتها هدايا من قريناتها وأقربائها وسيصلها المزيد لكن ليس كالذي تعده بنفسها، وتبدي حزنها فتقول أنها تفضل أن تضيف ما ترغب لتحصل على الحلو مر الذي يرضيها والطعم الذي تريد، وتقول أنها توجهت إلى عواسة الآبري هي ورفيقتها منذ قدوم موسم الإعداد للحلو مر، وتضيف أن سعر الجردل الواحد ألفي جنيه سوداني ويوجد من يدفع ألفين ونصف وتؤكد أن سعره دون المستحق مقارنه بالجهد المبذول لعواسة الجردل.
العائد المادي
وتضيف أن “العواسه” الواحده تحتوي على ٧-٨ جرادل وقد تزيد، وتضيف أنها بدأت المهنة العام السابق وتعمل على تلبية طلبات منزلين أو ثلاث في اليوم هي ورفيقتها لكن هذا العام “السوق نايم” فقد تعمل اليوم ولا تعمل أسبوع بعده، وتقول أنها لاحظت نقصان الكميه التي تعدها ففي السابق تعمل الأسره الواحده على تزريع “ربعين زريعة” وربع عيش ولكن الآن قلة الكميه فأصبحت ربع من كلٍ في عدة طلبيات قامت بتلبيتها، وتؤكد أنها تعمل لتكفل أبنائها وتساعد زوجها ولكنها تعاني من ألسنة اللهب ومن الجلوس أمام “صاج العواسة” لساعات طويله مما سيطضرها إلى التنحي عن العمل في ظل عدم تلقيها العائد المادي الذي يرضيها.
خفة على القلب
من ناحيتها تقول الطالبة الجامعيه آلاء علي إنها مسؤوله من تحضير العصائر يوميا بالمنزل وتحضير الحلو مر أخف على قلبها من تحضير نظيره من العصائر الأخرى لأنها تقوم “ببل طرقتين” في جك ونصف من الماء وفي آخر اليوم تقوم “بتصفيته” وتزيد عليه السكر والثلج فيصبح “جكين” بمقادير ومقاسات محفوظه عندها، وتضيف على عكس بقية المشروبات لا يحتاج الحلو مر إلى الكثير من الثلج أو السكر وهو أمر مريح نسبياً لأنها إقتصاديه، وتضيف أن أفراد أسرتها لا يشربونه ولا حتى والدتها بل تشربه هي واختها الصغرى وأبوها فقط ولا نية لها بالتنازل عنه لذا تضطر والدتها للإشتراك مع عماتها في تحضيره لأجل زوجها وبناتها.
مزاج رايق
وتوضح أن شقيقتها الصغرى تتناول كأس من مشروب الحلو مر لتحلل به صيامها قبل أكل البلح حتى وتقول إنه يسكت ظمأها ويجعل “مزاجها رايق”، أما إخوتها الذكور وأمها فيفضلون العصائر الطبيعية أكثر على البلدية ولا يشربون السكر إلا بعد صلاة التراويح ويتوجهون إلى الأكل فقط وشرب الماء، وتوضح أن والدها لا يخرج بصينيه الإفطار إلا في حضور “جك الحلو مر” ويذيقها وأمها الأمرين إذا حدث يوماً ونسياه فتضطر إلى إعداد ثلاثه أصناف من العصائر لترضي جميع الأطراف.
أخيراً..
من خلال السرد أعلاه نجد أن الآراء إختلفت وتبايت في أهمية الحلو مر في إرواء عطش الصائم ودرءه، وفي ضرورة تواجده في مائده الإفطار والتمسك به، عوضاً عن تباينها في محافظة الحلو مر على مكانته في سفرة الإفطار.
فهل يعد تمسك السودانيين بالمشروب لإحتواءه على عناصر مغذيه ومفيده لمعدة الصائم، أم لأنه مشروب متوارث عبر أجدادهم ويريدون المحافظه على كنزهم الثمين.
وعليه..
هل سيختفي الحلو مر المشروب العريق من مائده الإفطار الرمضانيه أم سيحافظ على حضوره في إفطار السودانيين وضراهم العريض ؟.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على ذلك ، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. قبول المزيد