كيف ارتكب مقاتلون عرب مذبحة عرقية مروعة في السودان؟
نفاج نيوز: وكالات
على الحدود التشادية السودانيةعقدوا العزم على دفن موتاهم، حتى لو كان وجود القناصة على أسطح المنازل المحيطة بهم يعني المخاطرة بحياتهم للقيام بذلك.
وليوفروا غطاء لأنفسهم، دفنوا الموتى ليلا ووضعوا العديد من الجثث في نفس القبور المحفورة على عجل. كانوا يعملون بسرعة، واضطروا للاستغناء عن الكثير من شعائر الدفن الإسلامي، إذ وضعوا الآباء والأمهات والأبناء والبنات والجيران معا في الأرض. وتظهر على الجثث الطريقة الوحشية التي انتهت بها حياة أصحابها. فقد حُرق البعض لدرجة أنه لا يمكن التعرف عليه، والبعض كان فاقدا لبعض الأطراف، وآخرون تظهر عليهم جروح بالغة عند الحلق.
وكان تدفق الجثث مستمرا. ففي 24 أبريل نيسان، يقول المدرس عبد الماجد عبد الله إنه ساعد في نقل 52 جثة ملفوفة بأغطية، 27 رجلا و16 امرأة وتسعة أطفال، حيث أرقدوهم في صف في حفر حديثة.
وفي 27 أبريل نيسان، يقول الجراح كمال آدم إنه رافق جثمان والده الذي قتل بالرصاص داخل منزله، ووضعه في واحدة من ثلاث حفر كبيرة ومعه 107 جثث أخرى. وفي 29 أبريل، دفنوا 56 آخرين. وفي السابع من مايو أيار، حضر المحامي خالد إسماعيل دفن 85 شخصا بينهم زميله الذي يقول إنه أُحرق حيا بعد أن حبسه المهاجمون في بيته وأشعلوا فيه النار.
واستمر الدفن في مقبرة الغابة لأكثر من سبعة أسابيع، من أواخر أبريل نيسان حتى منتصف يونيو حزيران، وتحولت قطعة الأرض المستطيلة إلى مقبرة جماعية مترامية الأطراف لما لا يقل عن 1000 من سكان مدينة الجنينة السودانية بولاية غرب دارفور.
تفيد العشرات من روايات الشهود بأن المذبحة نتجت عن أكثر من 50 يوما من الهجمات على قبيلة من عرق أفريقي تشكل أغلبية سكان المدينة. وشنت الهجمات قوات الدعم السريع السودانية، وهي قوة شبه عسكرية منبثقة بشكل كبير من الجماعات العربية والميليشيات العربية المتحالفة معها المعروفة باسم الجنجويد.
وصل سعار القتل إلى ذروته على مدى عدة أيام منتصف يونيو حزيران، وتحولت الجنينة إلى “مستنقعات من الدم” بحسب وصف أحد الناجين. ووصف آخر إراقة الدماء بأنها “يوم القيامة”.
وكان الخطر مستمرا بلا هوادة لدرجة أن العديد من الناجين قالوا لرويترز إنهم لم يتمكنوا من دفن موتاهم على الفور كما يقتضي العرف الإسلامي والمحلي. تقول فاطمة إدريس إن رجال الميليشيات العربية قتلوا زوجها وثلاثة رجال آخرين بالرصاص في منزلها، ثم استعدوا لحرق الجثث.
وتوسلت قائلة “لا تشعلوا النار فيهم”. وأضافت فاطمة أنها تمكنت من جر زوجها بعيدا وغطته ببطانية قبل أن تهرب وتعثر لاحقا على ملاذ على الجانب الآخر من الحدود في تشاد. وقطعت على نفسها وعدا بأن تعود لتدفنه.
إصرار الناجين على دفن قتلى الجنينة بكرامة هو أحد السمات المميزة للصراع الذي مزق المدينة. وأجرت رويترز مقابلات مع أكثر من 120 شخصا فروا من الجنينة إلى تشاد حيث تعيش فاطمة ومئات الآلاف غيرها من اللاجئين الآن في مخيمات.
وبكى كثيرون من الناجين وهم يصفون إطلاق النار على الأطفال، واغتصاب النساء والفتيات، واصطياد القناصين للناس في الشوارع، وذبح آخرين دخلوا المساجد بحثا عن ملاذ.
ومن خلال رواياتهم، المدعومة بتحليل صور التقطت بالأقمار الصناعية وصور فوتوغرافية ولقطات على وسائل التواصل الاجتماعي وقوائم بأسماء القتلى جمعها نشطاء حقوقيون محليون، تمكنت رويترز من تجميع أول سجل شامل للعنف الذي اجتاح الجنينة في وقت سابق من العام.
كانت حملة قتل متواصلة لدوافع عرقية استمرت أسابيع. والهدف: قبيلة المساليت ذات البشرة الداكنة في المدينة التي تعتبر ولاية غرب دارفور موطنها التاريخي. وقال العديد من الناجين إن المهاجمين العرب أشاروا في كثير من الأحيان للمساليت بلفظ “أنباي” وتعني العبد.
وشملت عمليات القتل، حسبما روى عشرات الشهود، إعدام سكان بالجنينة عرف انتماؤهم للمساليت، أحيانا بعد أن تستجوبهم قوات الدعم السريع ومقاتلو الميليشيات العربية. وقال ناجون إن رجال الميليشيات كانوا يركزون بشكل خاص على قتل الرجال والصبية من المساليت لأنهم في نظرهم قد يصبحون مقاتلين.
ومع سعيهن المستميت لإنقاذ أبنائهن، وصفت أمهات كيف ألبسنهم ملابس الفتيات وأخفوهم تحت الأسرّة أو تحت أردية فضفاضة، أو دفعهم إلى خارج النوافذ حتى يفروا قبل وصول مقاتلي قوات الدعم السريع والجنجويد.
تكشف روايات الناجين عن حملة منهجية ومنسقة. فقد استهدفت نيران قذائف الهاون مناطق محددة في الجنينة يقطنها المساليت. ووضعت حواجز على الطرق الرئيسية للسيطرة على الحركة في المدينة. وطارد رجال الميليشيات العربية بشكل خاص الشخصيات البارزة في مجتمع المساليت. وقال أكثر من 15 شاهدا لرويترز إنه عندما انتهت الحملة، أشرف رجال الميليشيات على محاولة لإخفاء الفظائع التي ارتكبت بما شمل دفن جثث على أطراف المدينة.
وقال حب الدين حسن، الناشط في حقوق الإنسان المنتمي للمساليت وهو من سكان الجنينة، إن ما حدث في المدينة، وهي عاصمة ولاية غرب دارفور، كان جزءا من حملة استمرت عقدين من “إبادة الناس والاستيلاء على أرضهم والتغيير الديموغرافي” تشنها قوات الدعم السريع والميليشيات العربية.
وأضاف حسن الذي فر إلى تشاد “يتم تمييز الرجال لقتلهم ومعروف الهدف من وراء هذا الكلام… الهدف هو إبادتهم والاستيلاء على الأرض وتغيير هوية البلد”.
ولم ترد قوات الدعم السريع على أسئلة رويترز بخصوص هذا الأمر. ولم يتسن الوصول إلى زعماء القبائل العربية.
وفي تصريحاتهم العلنية، ينفي زعماء القبائل العربية مشاركتهم في تطهير عرقي بالجنينة، وتقول قوات الدعم السريع إنها ليست ضالعة فيما وصفته بصراع قبلي. وفي مؤتمر صحفي نشر على صفحة أحد مجتمعات الجنينة على وسائل التواصل الاجتماعي في 21 أغسطس آب، اتهم زعماء القبائل العربية في غرب دارفور المساليت بالمسؤولية عن اندلاع القتال. وقالوا إن الجيش السوداني تواطأ مع المساليت وزودهم بالأسلحة لمهاجمة المجتمع العربي. ونفوا اضطلاع قوات الدعم السريع بدور في القتال.
وقال الأمير مسار عبد الرحمن أصيل، زعيم قبيلة الرزيقات، التي ينحدر منها العديد من قادة قوات الدعم السريع، “انت طالما إنسان بتريد الحرب وتشمر ساعدك للحرب ابقي قوي وتحمل نتائج اللي بتطلع بيها الحرب”.
ولم يرد الجيش السوداني على الأسئلة المتعلقة بالأمر، ومنها سؤال عن سبب عدم تدخل الجنود المتمركزين في الجنينة لحماية المدنيين الذين يتعرضون للهجوم.
ولم تتمكن رويترز من التأكد بشكل مستقل من بعض روايات الناجين. لكن الشهود كانوا متفقين في وصف العنف وفي التفاصيل وتسلسل هذه الأحداث في الجنينة. وفي حالات كثيرة، وصف العديد من الناجين نفس الحدث.
وفي بعض الحالات، أظهرت صور الأقمار الصناعية ما كان يحدث على الأرض، مثل الصور التي تكشف انتشارا كبيرا للدمار في مساحات واسعة من المدينة. وخلص تحليل لرويترز إلى ظهور دمار على مساحة لا تقل عن 1.8 كيلومتر مربع في الجنينة من 19 أبريل نيسان إلى 29 يونيو حزيران. ويعادل ذلك تقريبا مساحة 250 ملعب كرة قدم.
وأوضحت تقارير صادرة عن منظمات معنية بحقوق الإنسان أنماطا مماثلة من العنف. وقال كريم خان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو تموز، إن مكتبه بدأ التحقيق في الفظائع التي يقال إنها ترتكب في غرب دارفور، بما في ذلك عمليات القتل خارج نطاق القضاء والحرق والنهب. وفي وقت سابق من هذا الشهر، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على اثنين من كبار شخصيات قوات الدعم السريع، أحدهما عبد الرحيم حمدان دقلو نائب قائد القوات. ووصف دقلو القرار الأمريكي بأنه “مجحف” ويستند إلى معلومات “مأخوذة من جهات ضد قوات الدعم السريع”.
التعليقات مغلقة.