أم درمان القديمة .. مشاهد تحكي قصص البسالة والتنظيف..!

أم درمان القديمة: محمد سيف
رصدت كاميرا (نفاج نيوز) من داخل أحياء أم درمان القديمة حجم الدمار والانتهاكات التي تعرشت لها منازل المواطنين بواسطة مليشيا الدعم السريع التي نهبت كل مقتنيات المنازل من سيارات وأثاثات وحتى دور العبادة لم تسلم من أعمال النهب والتخريب – طبقا لمواطنين عائدين استطلعتهم الصحيفة في الحي- وكان الملفت رغم مرارة التخريب إصرار مواطنين تلك الأحياء على العودة بعد أن ظلوا يتداعوا عبر مجموعاتهم في وسائل التواصل الاجتماعي كل (خميس وجمعة) للمبيت في أطلال منازلهم لمواصلة العمل في أعمال النظافة ونقل الأنقاض بعد أن تم تأمين المنطقة تماما بواسطة قوات الشعب المسلحة وعمل مجموعة كبيرة من الارتكازات لتعزيز عملية التأمين.
مشاهدات من الدمار
كان الطريق إلى حي ودنوباوي العريق بأم درمان القديمة احي العمدة، المسالمة، ودنوباوي) ينبئ بأن القادم أسوأ في نهاية الطريق، فقد تراصت على جنبات شارع الأسفلت عشرات المركبات المدنية والعسكرية المحروقة او المهشمة بالكامل وبعضها منزوعة من أجزائها الأساسية ولم تعد تقوى على المسير،
حي ود نوباوي
داخل الحي ماتزال هناك العديد من السيارات تقبع في مكانها بالطرقات الرئيسية وهي محروقة بالكامل وبعضها مركبات عسكرية على ظهرها (دوشكا) تعرضت للحرق وهي مخبأة داخل المنازل بعد أن حطم أفراد المليشيا جدران الغرف و(البرندات) لتخبئتها بالداخل. وأخرى تئن من كثرة الذخيرة التي أخترقت أبوابها وجنباتها وربضت قابعة في مكانها، بعض المنازل سيما المطلة على شوارع الحي الرئيسية تبدو محطمة تماما في الطوابق العلوية من آثار القذائف والمدافع كدليل على بسالة المعركة التي خاضتها القوات المسلحة والقوات الأخرى المساندة لتنظيف المنطقة من المتمرين، بعض اثاثات المنازل والمتاجر والأجهزة الكهربائية معطلة وملغاة في العراء، جدران وأبواب المنازل والمتاجر التي تحولت إلى (قرابيل ومصافي) وبالكاد تقف متماسكة مع بعضها من كثرة ثغوب الرصاص والقذائف وأكوام فوارغ الرصاص المتراصة فوق بعضها فضلا عن أن العدو كان لايظهر في الشوارع الرئيسية للحي ذو الطوابق المرتفعة والأزقة الضيقة أثناء المعارك وإنما كان يصنع فتحات بين جدران المنازل (نفاجات) يتجول فيها بأريحية داخل الحي ويضع قناصته بعيدا عن العيان .. كلها تنبئك بحجم التضحيات والمعارك التي دارت لتنظيف هذه المنطقة من التمرد.

آمال العودة
ورغما عن تلك المشاهد الغاتمة إلا أن حلم العودة لمعانقة الديار لازال يراود المواطنين، وأثناء تجوالنا بين أنقاض أحياء أم درمان القديمة وجدنا العم ناجي هارون الرشيد يجلس في عريشة دكان متهالك مع مجموعة من أقرانه موجها أنظاره قبالة منزله المحترق، وقال في حديثه ل(نفاج نيوز) أنا أسكن حي ود نوباوي شارع الدومة ويضيف كنا متواجدين بالمنزل عند اندلاع الحرب ونزحنا بعد التضييف علينا من قبل المليشيا وقيامه بطردنا من الحي، ويقول رجعنا بعد تنظيف الحي من التمرد في شهر رمضان الماضي ووجدنا المنزل في حالة يرثى لها جزء منه محروق وثلاث سيارات مسووقة وكل أثاثاته منهوبة والدواليب محطمة والمنهولات مفتوحة وملغاة في فناء حوش المنرل وحتى (بلاط سيراميك) الأرضيات مخلوع من مكانه كأنهم يبحثون عن شيء ما..!، ويضيف حتى الملابس وجدناها متسخة لانهم كانوا يستخدمونها في دورات المياه لإنعدام المياه وإلى ذلك يقول توجد طلاسم وكتابات غريبة على الحوائط، ويضيف حتى المكيفات ومراوح السقف تمت سرقتها وكانوا يأتون بالنساء للسرقة وإعداد الطعام، ويوضح قائلًا الآن أبناء ود نوباوي بداؤا في التوافد إلى الحي لمتابعة أعمال النظافة لأن معظم معالم الحي تم طمسها بالأوساخ المتراكمة في الطرقات ومشاهد الدمار، ويقول عندما عدنا في الأيام الأولى كانت بعض الجثث وأشلائها والعظام ملغاة في الطرقات والروائح النتنة تنبعث من أماكن بعيدة عند مدخل الحي والآن اتفقنا مجموعة من أبناء على الحضور في أيام معينة لمواصلة أعمال النظافة والصيانة تمهيدا لعودة الاسر من النزوح واللجؤ في البلدان البعيدة خصوصا مع توفر خدمات الكهرباء والمياه بالحي.

انتشار القناصة
من جانبه يقول محمد الطيب علي، انهم خرجوا من الحي إلى مدينة النيل بعد بدء الاشتباكات بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، ويضبف عندما خرجنا اغلقنا أبواب ونوافذ المنزل جيدا وكانت كل المقتنيات والأثاثات والأجهزة الكهربائية موجودة بالداخل وكان يوجد قناصة المليشيا منتشرين في الحي ولايسمحون لاحد بالحضور والان عندما عدنا ام نجد شي في المنزل حتى السقوف المستعارة تم خلعها.

 

مسجد الحي
في غضون ذلك أشار نادر الرشيد عبدالله، عضو لجنة مسجد صادق عبدالله عبد الماجد، بشارع الدومة (ودنوباوي)، أشار بيديه في حديثه إلى الناحية الجنوبية من المسجد التي تهدمت جدرانه تماما وقال هذا المسجد تمت سرقة مولده الكهربائي وجهاز الساوند وكافة مبردات الهواء وعدد ٢٠ مروحة سفف.

أسرة الأقباط
وفي خضم مآسي أحياء أم درمان القديمة وجدنا بحي العمدة، نبيل هنري سارجوس وأفراد أسرته المكونة من أخواته (نورة ووفاء ونجوى ولولة ووالتهم التي توفت خلال الحرب) وتتلخص مأساة هنري وأخواته في أنهم رفضوا منذ اللحظات الأولى لاندلاع الحرب الخروج من المنزل وأصروا على البقاء لعدم وجود أقرباء يلجأون لهم في السودان وأن كل ذويهم في دولة مصر،
ويقول هنري في حديثه ل(نفاج نيوز) إنهم ولدوا في حي العرب ونشأؤا وتربوا في حي العمدة ولم يخرجوا منها، ويضيف أنهم تعرضوا للضرب والإهانة من أفراد المليشيا طوال بقالهم معهم في الحي لمدة عام كامل قبل وصول الجيش وتحرير الحي بواسطة العقيد ركن زاهر عز الدين الطيب، ركن العمليات والتدريب بمتحرك الشهيد عرديب الذي كان أول من وطأت قدماه أرض أم درمان القديمة، ويضيف نبيل هنري أن والدته المسنة توفت خلال تواجد المليسيا في الحي ومنعوهم من دفنها في المقابر المخصصة للأقباط مما أضطرهم إلى دفنها في فناء المنزل المجاور في أكبر انتهاك لأبسط الحقوق الإنسانية
وإلى يؤكد هنري أن أفراد الدعم الذين كان من بينهم جنسيات تشادية ونيجرية وسورية قاموا بنهب كنيسة الحي التي تعرضت للسرقة والتخريب.

سرقة مواتر
في السياق تقول شقيقته نبيل، نجوى هنري (٦٣سنة) أن المليشيا قاموا بنهب موترين وموبايل من المنزل و أخذوا مبلغ مالي من أخيها بقوة السلاح وهددوه بالقتل حال إبدا أي مقاومة وصعدوا إلى السطح وعملوا على تفتيش جميع الغرف بحثا عن الأموال والذهب.

التعليقات مغلقة.